عادةً ما يوصف الحب بأنه مثلِج للقلب، وأحياناً موجِع، وحتى محطِم له، ولكن ما علاقة الدماغ؟ كل شيء، إذ تسيطر أنظمة الدماغ، ومجموعة نواقل عصبية، وهرمونات في هذه السيمفونية من الإعجاب الأول إلى قطرة الدموع الأخيرة.
هل تسائلت عن سبب السعادة التي يشعر بها من يقع في الحب؟ يحفز الحب كل “الهرمونات السعيدة” في الوقت ذاته، وهي الدوبامين، والسيراتونين، والأكسيتوسين.
لكن لماذا لا يستمر هذا الشعور بالسعادة دائماً؟ الهدف الأساسي من تطور الدماغ هو تحفيز التكاثر وليس الشعور الدائم بالسعادة. وإذا فهمت كيفية عمل هرمونات السعادة، ستتبنى توقعات حقيقية، وواقعية عنه، ما قد يؤدي إلى استمراره. ولكن أولاً كيف يتحكم الدماغ بالمشاعر؟
الجهاز الحوفي”The limbic system”
الجهاز الحوفي وهو مجموعة من التركيبات المتصلة ببعضها تتمركز عميقاً بالدماغ، وهو الجزء المسؤول عن الاستجابات السلوكية والشعورية.
من أهم تركيبات الجهاز الحوفي والتي تؤدي دوراً رئيسياً في الاستجابة الشعورية:
1- منطقة تحت المهاد: يرتبط تحت المهاد بالاستجابة الجنسية، وإفراز الهرمونات، ومعالجة درجة حرارة الجسم، بالإضافة إلى دوره في التحكم بالاستجابات الشعورية والانفعالية.
2- الحُصين: وذلك لأنه يشبه حصان البحر المتعرج، ويساعد في حفظ ومراجعة الذكريات. يلعب دوراً في فهمك للأبعاد المكانية المحيطة بك.
3- اللوزة “Amygdala”: تلعب اللوزة دوراً هاماً في بعض الاستجابات الشعورية الخاصة بالمكان المحيط مثل الخوف، والغضب، أو الرغبة بالهرب.
4- قشرة الجهاز الحوفي: تؤثر على الحالة المزاجية، والتحفيز، والحكم على الأشياء.
اقرأ أيضاً: متلازمة القولون العصبي (IBS) أعراضه والنظام الغذائي المناسب
ما دور منطقة تحت المهاد في الحب؟
يرتبط التوتر، والقلق المصاحب لبداية علاقة عاطفية بمنطقة تحت المهاد حيث تحفز إفراز هرمونات الدوبامين، والأكسيتوسين، والفازوبريسين.
تغمر الدماغ هذه المواد الكيميائية التي تتعلق بنظام المكافأة في الجسم، وينتج عنها استجابات شعورية وجسدية مثل تسارع ضربات القلب، وتعرق الأيدي، والشعور بالقلق. تماثل هذه العمليات الكيميائية المواد الكيميائية التي تُفرز عند الإدمان.
اقرأ أيضاً: النظام الصحي healthy life style..أفضل العادات لتحقيق النظام الصحي
مراحل الحب
1- الإعجاب: وهي المرحلة الأولى من الانجذاب والإعجاب، ويُعتقد أن سبب تطور هذه المرحلة هو التكاثر، وإبقاء النوع، وتتحكم في كيميائها هرمونات الأستروجين والتستوستيرون.
2- الشغف العاطفي: ترتفع مستويات هرمونات النورإبنفرين، والدوبامين، والفينيل ثلامين في هذه المرحلة، ويميل الشخص إلى التفكير بغير عقلانية والنظر بعين المثالية إلى من يحبه.
3- التعلق والالتزام: وهي المرحلة الأخيرة من العلاقة العاطفية، حيث ينتهي الشغف في صالح التعلق والترابط مع الشريك. يُعتقد أن سبب تطور هذه المرحلة هو بناء الرابطة القوية بين الأم والطفل. يلعب هرمون الأكسيتوسين الدور الأساسي في هذه المرحلة.
الدوبامين والحب
الدوبامين ناقل عصبي يُفرز عند الشعور بالسعادة، والقيام بنشاطات مثل الأكل، وممارسة الرياضة، أو مشاهدة فيلمك المفضل، والتفاعلات الاجتماعية.
يرتبط الدوبامين بنظام المكافأة في الجسم. يجعل هذا الحب شعوراً مرغوباً به، ويُحفز إفرازه أيضاً لدى الأطفال عند سماع صوت الأم.
يرتبط الدوبامين كناقل عصبي بخمسة مستقبلات عصبية في الدماغ تتصل بمراكز المتعة، وينتج عنه شعور مرتفع بالسعادة. يعزز الدوبامين أيضاً من مشاعر التحفيز فيساهم في جعل الشخص نشيطاً.
اقرأ أيضاً: اضطرابات الأكل..أسبابها وأكثر من6 أنواع وطرق الوقاية والعلاج
السيراتونين والهوس
السيراتونين هو ناقل عصبي وأحد هرمونات السعادة الذي يساهم أيضاً في الشعور الجيد والمتعة. وتؤثر مستويات السيراتونين في الدماغ على وظائف كثيرة بالجسم مثل الحالة المزاجية، والشهية، والذاكرة، والحد من اضطرابات النوم.
تستخدم الأجزاء العميقة من الدماغ السيراتونين للتواصل بينها، ووجود كميات قليلة منه يعيق هذه العملية، ويتسبب بحدوث أفكار هوسية، وأفعال قهرية، والوعي المفرط، والشعور بالضيق.
ترتفع نسبة هرمون الكورتيزون “هرمون القلق” في بداية العلاقات العاطفية، وتنخفض مستويات السيراتونين.
لذلك يرجع السبب أحياناً في الهوس الذي يصيب بعض الأشخاص تجاه شركائهم لانخفاض مستوياته في الدماغ. توجد كميات قليلة من السيراتونين أيضاً لدى مصابي اضطراب الوسواس القهري (OCD)، والقلق.
الأوكسيتوسين (هرمون الحب)
يُسمى الأكسيتوسين عادة بهرمون الحب؛ وذلك بسبب ارتفاع مستوياته عن عناق شخص ما، ويرتبط بالعلاقات العاطفية، كما أنه يرتبط بالكثير من المشاعر الأنسانية مثل الأمومة، والثقة، وحتى النشاط الجنسي، والشهوة. وسنتناوله بشيء من التفصيل.
يتم تحفيز هرمون الأكسيتوسين أيضاً من بعض الصفات الجيدة التي تساهم في بناء علاقات اجتماعية فعالة مثل:
- الثقة.
- التعاطف.
- الذكريات الجيدة.
- الإخلاص.
- تنظيم علامات الترابط.
- التواصل الإيجابي.
اقرأ أيضاً: الاكتئاب الموسمي ….. أسبابه و5 طرق لعلاجه
ما هو الأكسيتوسين؟
الأكسيتوسين ناقل عصبي يلعب دوراً هاماً في التكاثر، وتنتجه منطقة تحت المهاد في الدماغ، ثم يتم تخزينه في الغدة النخامية التي تفرزه بالنهاية.
في النساء، يحفز الهرمون الولادة أو ما يعرف بالطلق، وكذلك يحفز إفراز حليب الثدي. وفي الرجال يساعد على حركة الحيوانات المنوية.
كيف يؤثر الأكسيتوسين إيجابياً على المشاعر؟
تشير الدراسات أن الأكسيتوسين له تأثير إيجابي على السلوكيات الإجتماعية ومنها:
- الاسترخاء.
- بناء الثقة.
- الاستقرار النفسي العام.
كذلك كشفت الدراسات أن له تأثير واضح في خفض مستويات التوتر والأرق، وتتم دراسة فعاليته كعلاج فعال في محاربة الاكتئاب.
يُشير بحث نُشر عام 2010 إلى أن الأكسيتوسين قد يساعد مرضى التوحد في فهم المؤشرات، والتفاعلات الاجتماعية والاستجابة لها.
اقرأ أيضا: الكولاجين collagen سر الحيوية والشباب
هرمون الحب والأمومة
يلعب الأكسيتوسين أدواراً عدة ترتبط بالأمومة نوضحها فيما يلي:
1- تحفيز الولادة
يطلق الهرمون إشارات كيميائية إلى الرحم لكي تبدأ تقلصات الولادة. ويساعد في إطلاق الهرمونات الأخرى التي تسهلها. كما يساهم الأكسيتوسين الرحم في العودة إلى حجمه السابق بعد الولادة.
2- الرضاعة
يُفرز الأكسيتوسين عند ملامسة شفاه المولود لثدي الأم، ويحفز الهرمون إنتاج حليب الثدي.
3- الترابط بين الأم والطفل
اكتشفت الدراسات عن تأثير الأكسيتوسين في تقوية الرابطة الناشئة بين الأم والطفل، وأن الأمهات اللاتي يمتلكن مستويات أعلى من الأكسيتوسين يرتبطن على نحو عاطفي وحنون أكثر مع أبنائهم، ويشمل هذا الترابط السلوكيات الآتية لدى الأم:
- التحقق المتكرر على الطفل.
- اللمسة الحنونة.
- الغناء أو التحدث إلى الطفل.
- اللعب مع الطفل والاهتمام به.
ترتفع مستويات الهرمون لدى الأطفال الذين يتلقون هذا النوع من التربية العاطفية ما يجعلهم يستمرون بالسعي تجاه تواصل أكثر مع أمهاتهم، وبالتالي تقوية الترابط بينهم أكثر.
اقرأ أيضا: فوار أستيل سستايين…دواعي الاستخدام والاحتياطات
استخدامات الأكسيتوسين في الطب
قد يتم حقن الأكسيتوسين لتحفيز أو تحسين انقباضات الولادة، ويستخدم أيضاً بعد الولادة لتقليل النزيف.
أشارت دراسة تم إجرائها عام 2017 إلى أن الأكسيتوسين قد يساعد في علاج التوحد وبعض الحالات الخلقية والنفسية الأخرى التي تعيق التفاعل الاجتماعي.
تتم دراسة الآن إمكانية استخدام الهرمون في علاج حالات اكتئاب ما بعد الولادة، ولكن أشارت دراسة واحدة أن استخدام الأكسيتوسين المُصنع قد يزيد من خطرالإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، واضطرابات القلق.
اقرأ أيضاً: القهوة “antioxidant” وفوائدها للجسم والبشرة والشعر
هل يوجد آثار سلبية للأكسيتوسين؟
على الرغم أن الأكسيتوسين يقوي الترابط والحب، ولكنه قد يشجع بعض الصفات غير الجيدة مثل الكبرياء والشعور بالأفضلية.
رُبط الهرمون أيضاً بمشاعر مثل الحسد وعدم الأمانة، ولكن لا يزال البحث مستمراً لفهم هذه الإشارات على نحو أفضل.
خاتمة
الدماغ عضو معقد ولا يتوقف الباحثون عن محاولة فك شفرة الدماغ، ويُعد الجهاز الحوفي أحد أهم الأجزاء الأساسية في الدماغ التي تتحكم بالمشاعر.
مع تقدم العلم والتكنولوجيا، سيكون من الممكن أن نعلم أكثر عن العقل الباطن للإنسان والطبيعة المعقدة للمشاعر.
اقرأ أيضاً: الجاثوم (شلل النوم).. 10 نصائح للوقايه وما هي أعراضه
References:
- https://www.psychologytoday.com/us/blog/your-neurochemical-self/201802/the-neurochemistry-love
- https://www.healthline.com/health/what-part-of-the-brain-controls-emotions?utm_source=ReadNext#bottom-line
- https://beta.mountelizabeth.com.sg/healthplus/article/the-science-behind-why-we-fall-in-love
- https://www.reagent.co.uk/blog/the-chemistry-of-love/#:~:text=%2Dthe%2Dknees.-,Love%20and%20the%20Brain,pleasure%2C%20energy%20and%20focussed%20attention.
- https://people.howstuffworks.com/love6.htm
- https://healthmatters.nyp.org/an-experts-guide-to-your-brain-in-love/
شكرا جزيلا و نتمني الشفاء لكل مريض